الاستدلال بالعقل

الثالث: العقل. وهذا طريق المحقق النائيني(1) الذي سلكه المتأخرون أيضاً، وحاصله: إنّه إذا صدر أمر من المولى الحقيقي، فإنّ العقل يحكم على العبد بمقتضى قانون حكم الطّاعة ـ بلزوم الإطاعة وباستحقاقه العقاب إذا خالف.
وقد تكلّمنا على هذا الوجه سابقاً. وحاصل الكلام هنا:
إن هذا الوجه أخصّ من المدّعى، لأن المدّعى هو أعمّ من أن يكون الأمر صادراً عن المولى الحقيقي، ولا يختص بمورد استدلاله… فالأمر يدلّ على الوجوب في أوامر الناس بعضهم بعضاً، مع عدم وجود حكم عقلي مستند إلى حق الطاعة، إلاّ مع القرينة على الرخصة، هذا أولا.
وثانياً: إنّ الأحكام العقليّة ـ سواء في موارد المولى الحقيقي أو العرفي ـ تنتهي إلى حسن العدل وقبح الظلم، وهما حكمان كلّيان، فالعقل يرى ضرورة إطاعة العبد لمولاه لأنها عدل، وعدم عصيانه لأنه ظلم، والظلم إنما يتحقق حيث يصدق العصيان، وإذ لا عصيان ـ كما لو لم يكن أمر المولى إلزاميّاً ـ فلا ظلم… وهذه هي كبرى حكم العقل.
والحاصل: إنه لا حكم للعقل إلاّ بقبح الظلم بمعصية أوامر المولى، أمّا مع الشك في دلالة أمره على الوجوب والإلزام، فلا يحكم العقل بقبح مخالفته، إلاّ أن يقال بأنّ للعقل حكماً ظاهريّاً مفاده: كلّما شككت في أمر أنه إلزامي أو لا، لزم عليك امتثاله وإلاّ فأنت ظالم،… ومن الواضح عدم وجود هكذا حكم ظاهري احتياطي من العقل.
وبعبارة أخرى ـ كما في (المنتقى)(2) ـ إنه بعد إدراك العقل أن إنشاء الطلب يمكن أن يكون عن إرادة حتميّة كما يمكن أن يكون عن إرادة غير حتميّة، وأن المنشأ عن إرادة غير حتمية لا يلزم امتثاله، كيف يحكم بلزوم الامتثال بمجرّد الإنشاء ما لم يدّع ظهور الصيغة في كون الإنشاء عن إرادة حتمية، وهو خلاف المفروض؟ وهل يجد الإنسان في نفسه ذلك؟ ذلك ما لا نستطيع الجزم به بل يمكن الجزم بخلافه.
وعلى الجملة، فإنّ مطلب الميرزا إنما يتمُّ لو ثبت أنّ للعقل هكذا حكم كما توجد في الشريعة أحكام ظاهريّة إلى جنب الأحكام الواقعيّة، أو تقوم سيرة عقلائيّة على أنّه متى وردت الصيغة المجرّدة عن المرخّص في الترك فالطلب إلزامي، وإلاّ، فإنّ المرجع هو البراءة عقلا وشرعاً، وعدم كفاية قانون حقّ الطاعة على التحقيق.

(1) أجود التقريرات 1/144 .
(2) منتقى الأصول 1/403.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *