ردّ الإعتراض على الاستدلال بالآية

ردّ الإعتراض على الاستدلال بالآية
ثم إنّه قد أورد على الإستدلال بالآية المباركة على عدم لياقة من تقمّص الإمامة والخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لها ، برواية : « الإسلام يجبُّ ما قبله » ، لكنه مردود سنداً ودلالةً .
أمّا سنداً ، فلأنّ الأصل في رواية هذا الحديث هو أحمد بن حنبل ، في قضيّة عمرو بن العاص ، حيث قال عندما أسلم : فما الذي يعصمني من كفري ؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم الإسلام يجبّ ما قبله(1) .
وفي هذا الحديث أيضاً : « الهجرة تجبّ ما قبلها » .
ودعوى انجبار ضعف السند بعمل الفريقين بهذا الخبر في عدّة أبواب من الفقه ، كما ترى ، لأنَّ عمل العامّة لا يؤثّر في خروج الرواية عن الضعف ، وأمّا عمل أصحابنا ، فقد ذهب صاحب ( الجواهر ) والمحقق الهمداني وآخرون إلى أنه يجبر الضعف ، إلاّ أن التحقيق خلافه كما يُقرّر في محلّه(2) ، على أنَّ الكلام هنا في الصغرى ، إذ يعتبر في الجبر إحراز عملهم بالخبر واستنادهم في الفتوى إليه ، وذاك أوّل الكلام ، لوجود أخبار وأدلّة اخرى في تلك الأبواب .

وأمّا دلالةً فبوجوه :
أوّلا : إنّ ما يرفعه هذا الحديث هو الحكم التكليفي ، وأمّا الحكم الوضعي فلا يرتفع ، ولذا قال صاحب ( الجواهر ) بأن إسلام الكافر لا يرفع الجنابة ، بل يجب عليه الغسل من الجنابة ، لأنها أمر وضعي ، والحديث لا يعمّ الوضعيّات ، وهذا خير شاهد على ماذكرناه ، ولا يخفى أنّ شرطيّة عدم الظلم للتصدّي للإمامة ، أو مانعيّة الظلم عن التصدّي لها ، من الامور الوضعيّة .
وثانياً : إنه على فرض شمول حديث الجب للوضعيّات ، فلا ريب في عدم شموله للتكوينيّات ، وظاهر الآية المباركة أن عدم نيل الإمامة الظالمَ أمر تكويني ، فمدلولها : أنّ الظالم قاصر ذاتاً عن أن تناله الإمامة والخلافة ، فكأنّ الله يقول لسيّدنا إبراهيم عليه السلام إن دعائك لا يستجاب ، لأنه يتنافى مع سنّة تكوينيّة ، كأنْ يدعو الإنسان أنْ تنال يده الشمس … فالآية المباركة ترجع إلى أمر عقلي ، لا علاقة لها بالقضايا الإعتباريّة ، فهي ـ من هذه الجهة ـ نظير قوله تعالى : ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ )(3) فعدم نيل لحم اضحيّة المشرك ليس أمراً اعتبارياً ، بل هو للقصور الذاتي فيه .
وثالثاً : إنه ـ بغض النظر عن كلّ ماذكر ـ يستحيل جريان قاعدة الجبّ في هذا المورد ، لأن إبراهيم عليه السلام كان عالماً بما جاء في قضيّة نوح عليه السلام من قوله تعالى له : ( وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ )(4) وبعد ذلك يستحيل أن يطلب من الله تعالى أن يجعل الإمامة في المشرك الذي بقي على شركه ، فيكون طلبه لخصوص من أسلم من ذريّته وخرج عن الشرك ، وحينئذ فلو خصّص لما بقي للآية مورد ، خذ فاغتنم .
هذا تمام الكلام في أدلَّة القولين .

(1) مسند أحمد بن حنبل 4/198 ـ 199 .
(2) وسيأتي ـ إن شاء الله ـ أن الأقوال في المسألة ثلاثة : أحدها : إن عمل الأصحاب جابر وكاسر ، وهو المشهور وعليه بعض مشايخنا ، والثاني : إنه لا يجبر ولا يكسر ، وعليه السيد الخوئي وبعض مشايخنا من تلامذته ، والثالث : التفصيل فهو يكسر ولا يجبر ، وعليه الشيخ الاستاذ دام بقاه .
(3) سورة الحج : 37 .
(4) سورة المؤمنون : 27 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *