4 ـ فوريتها

4 ـ فوريتها
تجب التّوبة على المذنب وجوباً فورياً من ذنوبه، ولا يجوز له التّأخير. وهذا ممّا لا خلاف ولا ريب فيه كما صرّح به جماعة.
وقد جاء التّأكيد على هذا في الأخبار، بالإضافة إلى حكم العقل، حيث يحكم بوجوب دفع الضّرر ـ وإن كان ظنياً ـ فوراً.
يقول أمير المؤمنين عليه السّلام لرجل سأله أن يعظه: «لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل، ويرجئ التّوبة بطول الأمل»(1).
ويقول عليه السّلام في كلام له: «فاتّقوا تقيّة من سمع فخشع، واقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وأيقن فأحسن، وعبّر فاعتبر، وحذّر فازدجر، وأجاب فأناب، ورجع فتاب، واقتدى فاحتذى، وأري فرأى، فأسرع طالباً، ونجا هارباً، فأفاد ذخيرة، وأطاب سريرة، وعمّر معاداً، واستظهر زاداً، ليوم رحيله، ووجه سبيله، وحال حاجته، وموطن فاقته…(2).
ويقول عليه السّلام في كلام له: «إحذروا الذّنوب المورّطة، والعيوب المسخطة، أولي الأبصار والأسماع، والعافية والمتاع، هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار؟ أم لا؟ فأنّى تؤفكون؟ أم أين تصرفون؟ أم بماذا تغترّون؟ وإنّما حظّ أحدكم من الأرض ذات الطّول والعرض قيد قدّه متعفراً على خدّه.
الآن عباد والخناق مهمل، والرّوح مرسل، في فينة الإرشاد، وراحة الأجساد، وباحة الإحتشاد، ومهل البقية، وأنف المشية، وإنظار التّوبة، وإنفساح الحوبة، قبل الضّنك والمضيق، والرّوع والزّهوق، وقبل قدوم الغائب المنتظر، وأخذة العزيز المقتدر»(3).
ويقول الإمام الباقر عليه السّلام: «ما من عبد إلاّ وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السّواد، وإن تمادى في الذّنوب زاد ذلك السّواد حتّى يغطّي البياض، فإذا غطي البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول اللّه عزّوجلّ: (كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)»(4).
ويقول الإمام الصّادق عليه السّلام: «كان أبي يقول: ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، أنّ القلب ليواقع الخطيئة، فلا تزال به حتّى تغلب عليه يصير أعلاه أسفله»(5).
ومعنى هذين الخبرين: أنّه يجب عليه أن يبادر إلى التّوبة فوراً، لئلاّ يؤدي الذّنب بقلبه إلى هذه الحالة، لأنّ الإستغفار ممحاة، كما قال أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام(6).
هذا، بالإضافة إلى أنّ التّسويف في التّوبة، وعدم الإسراع فيها، قد ينتهي إلى عدم التّمكن منها، كما إذا عاجله الموت فلم يحصّل مجالاّ لها، أو يصير بحيث يصعب عليه الوصول إليها، كما إذا بلغت ذنوبه في الكثرة والتّأثير حدّاً استولت الظّلمة على قلبه، واستغرقت جميع جوانبه، وتراكمت على أطرافه.
إذ في هذه الحالة يصعب جدّاً معالجة هذا القلب، ومحو هذا الأثر منه، ثمّ إرجاعه إلى حالته الطّبيعية الأولى، خالياً من كلّ شائبة.
وهذا هو السّرّ في نهيهم عليهم السّلام عن تسويف التّوبة… .

(1) نهج البلاغة 4 / 38، الرّقم 150، والبحار 6 / 37، الرّقم 60.
(2) نهج البلاغة 1 / 137 ـ 138، والبحار 74 / 438، الرّقم 48 عنه باختلاف يسير.
(3) نهج البلاغة 1 / 146، والبحار 74 / 429 ـ 430، الرّقم 43، وفيه مجاز بدل: محار.
(4) الكافي 2 / 273، الرّقم 20، والبحار 70 / 232، الرّقم 17، والآية: سورة المطفّفين: 14.
(5) الكافي 2 / 268، الرّقم 1، باب الذّنوب، والبحار 70 / 312، الرّقم 1 عنه.
(6) تحف العقول: 298، حيث قال عليه السلام: وألحّوا في الإستغفار فإنّه ممحاة للذّنوب، والبحار 75 / 178، الرّقم 53 عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *