الشّفعاء

الشّفعاء
يتبين من آيات القرآن الكريم ونصوص الرّوايات الشّريفة وكلمات الفقهاء والمحدّثين وعلماء الكلام: أنّ هناك شفعاء يشفعون للمؤمنين في يوم القيامة فيشفّعهم اللّه تعالى فيهم ويعفو عنهم بهم، وإليك ذلك بالتّفصيل:
1 ـ الأنبياء و الرّسل:
فقد قال تعالى: (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْديهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)(1).
وعن الصّادق عن آبائه عن عليّ عليهم الصّلاة والسّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ثلاثة يشفعون إلى اللّه عزّوجلّ فيشفّعون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشّهداء»(2).
هذا، لكن قد ينافيه ظاهر قوله صلّى اللّه عليه وآله في حديث آخر رواه جماعة: أعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي، وعدّ فيها الشّفاعة، وقد تقدّم نصّه.
إلاّ أن يجمع بينهما على أنّ شفاعته صلّى اللّه عليه وآله أكثر تأثيراً من سائر الأنبياء، أو أنّ له شفاعة خاصّة لم يعطاها غيره من الأنبياء… .
هذا بالنّسبة إلى عامّة الأنبياء.
وأمّا بالنّسبة إلى نبينا محمّد صلّى اللّه عليه وآله، فقد تقدّم من الآيات والرّوايات والكلمات ما يدّل على ثبوت الشّفاعة له صلّى اللّه عليه وآله يوم القيامة.
وقد نصّوا على أنّه ممّا أجمع عليه المسلمون قاطبة(3).
2 ـ القرآن الكريم:
فقد تقدّم قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «وأنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه…»(4) وروى الشّيخ المجلسي عن الدّيلمي من محدّثي العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أنّه قال: «الشّفاعة خمسة: القرآن والرّحم والأمانة ونبيكم وأهل بيت نبيكم»(5).
فالقرآن الكريم إذاً ممّا يشفع يوم القيامة.
3 ـ الأئمّة الطّاهرون:
فقد تقدّم من الرّوايات ما يدلّ على أنّ الأئمّة المعصومين الطّاهرين وأمّهم الصّدّيقة الزّهراء عليهم الصّلاة والسّلام، يشفعون لشيعتهم ومحبّيهم ومواليهم يوم القيامة فيشفّعهم اللّه تعالى فيهم.
وقد نصّ جماعة من أكابرالطّائفة أنّ هذا الإعتقاد ممّا أجمع عليه الأصحاب، وأنّه من الضّروريات، ومنهم الشّيخ المفيد والشّيخ الطّبرسيّ والشّيخ المقداد والشّيخ المجلسيّ رحمهم اللّه، وقد تقدّمت كلماتهم(6).
4 ـ الملائكة:
قال تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَك فِي السَّماواتِ لا تُغْني شَفاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى)(7).
وفي البحار وحقّ اليقين عن الشّيخ الصّدوق: قال صلّى اللّه عليه وآله «… والشّفاعة للأنبياء، والأوصياء والمؤمنين والملائكة»(8).
وتفيده روايات عديدة… .
5 ـ العلماء:
ففي روايات عديدة أنّ العلماء يشفعون ويشفّعون، ومنها:
قول الإمام الصّادق عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة بعث اللّه العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي اللّه عزّوجلّ قيل للعابد: إنطلق إلى الجنّة. وقيل للعالم: قف تشفّع للنّاس بحسن تأديبك لهم»(9).
ومنها: الرّواية المتقدّمة عنه عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
6 ـ الشّهداء:
فإنّهم من الشّفعاء يوم القيامة، جاء ذلك في الحديث المتقدّم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
قال السّيد الطّباطبائي: الظّاهر: أنّ المراد بالشّهداء شهداء معركة القتال كما هو المعروف في لسان الأئمّة في الأخبار، لا شهداء الأعمال كما هو مصطلح القرآن(10).
7 ـ المؤمنون:
فقد جاءت الرّوايات المتكثّرة مصرّحة ومؤكّدة شفاعة المؤمنين بعضهم في بعض و شفاعة الصّديق في صديقه، والحميم في حميمه، والرّجل في أهل بيته وأسرته…(11).

(1) سورة الأنبياء: الآية: 26 ـ 28.
(2) البحار 8 / 34، الرّقم 2 عن الخصال: 156.
(3) التجريد وشرحه: 566، وراجع تفسير الرازي 3 / 65 وغيره.
(4) نهج البلاغة 2 / 92، ومستدرك الوسائل 4 / 239، الرّقم 5.
(5) المناقب 2 / 14، والبحار 8 / 43، الرّقم 39، والجامع الصّغير 2 / 86 ، الرّقم 4942، وينابيع المودّة 2 / 95، الرّقم 223، وكنز العمّال 14 / 390، الرّقم 39041.
(6) في الصفحة: 64 فما بعد.
(7) سورة النجم، الآية: 26.
(8) البحار 8 / 58، الرّقم 75 نقلاً عن الإعتقادات في دين الإمامية: 66.
(9) البحار 8 / 56، الرّقم 66 نقلاً عن علل الشّرائع 2 / 394، الرّقم 11، وبصائر الدّرجات: 27، الرّقم 7، باب فضل العلم على العابد.
(10) الميزان في تفسير القرآن 1 / 179.
(11) كما جاء في البحار 8 / 38، كتاب العدل والمعاد باب الشّفاعة. حيث قال: ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الشّفاعة في أمّته، ولنا شفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم. ثمّ قال: وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه، ويقول: يا ربّ حقّ خدمتي، كان يقيني الحرّ والبرد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *