تحقيق حول رأي الكليني في التحريف

تحقيق حول رأي الكليني في التحريف
وإن أشهر رواة الأحاديث التي ذكرناها وغيرها وأعظمهم هو الشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 329، روى تلك الأخبار في كتابه الكافي الذي هو أهم الكتب الأربعة المشهورة بين الشيعة الإمامية.
لقد كان ـ وما زال ـ التحقيق حول رأي الشيخ الكليني في المسألة موضع الاهتمام بين العلماء والكتاب، لما له ولكتابه من مكانة مرموقة متفق عليها بين المسلمين، فنسب إليه بعض المحدثين من الشيعة القول بالتحريف اعتماداً على ظاهر كلامه في خطبة كتابه الكافي، ونفى ذلك آخرون، وحاول بعض الكتّاب القاصرين نسبة القول بذلك إلى الطائفة عامة والتشنيع عليها ـ بزعمه ـ بعد وصف كتاب الكافي بـ«الصحيح»، لكنها محاولة يائسة كما سنرى.
والتحقيق حول رأي الكليني وما يتعلّق بذلك يتم بالبحث في عدّة جهات:
ترجمته وشأن كتابه
لقد ترجم علماء الشيعة للكليني بكلّ ثناء وإطراء وتعظيم وتفخيم، فقد قال أبو العباس النجاشي: «شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني، يسمى الكافي في عشرين سنة»(1) وقال الشيخ الطوسي: «ثقة عارف بالأخبار، له كتب، منها كتاب الكافي»(2) وقال ابن شهرآشوب: «عالم بالأخبار، له كتاب (الكافي) يشتمل على ثلاثين كتاباً»(3).
أما كتابه «الكافي» فهو أهم كتب الشيعة الاثني عشرية وأجلّها وأعظمها في الأصول والفروع والمعارف الإسلامية، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعية، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينية، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.
إلاَّ أنه قد تقرر لدى علماء الطائفة حتى جماعة من كبار الأخباريين لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الأصول أو الفروع، إذ ليست أخبار الكتب الأربعة ـ أوّلها الكافي ـ مقطوعة الصدور عن المعصومين، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفن ولم يثقوا برواياتهم. ومن هنا قسموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة، واتفقوا على اعتبار الصحيح وذهب أكثرهم إلى حجية الموثق، وتوقف بعضهم في العمل بالحسن، وأجمعوا على وجود الأخبار الضعيفة في الكتب الأربعة المعروفة، وقد ذكرنا هذه الحقيقة آنفاً.
ونزيد تأكيداً هنا بذكر مثالين أحدهما: إنّ الكليني روى في الكافي أنّ يوم ولادة النبي صلّى اللّه عليه وآله هو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول ـ ولذا نُسِبَ إليه القول بذلك ـ ولم يوافقه أحد من علماء الشيعة عليه فيما نعلم، بل ذهبوا إلى أنه اليوم السابع عشر منه.
والثاني: إنّه روى في الكافي كتاب (الحسن بن العباس بن حريش) في فضل (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقد ضعف النجاشي وابن الغضائري وغيرهما الرجلَ وذمّوا كتابه المذكور(4).
وسواء صح ما ذكروا أو لم يصح، فإن الغرض من ذكر هذا المطلب هو التمثيل لما ذكرناه من رأي أكابر العلماء في روايات الكليني.
وعلى الجملة، فإنه ليست أخبار الكافي كلّها بصحيحة عند الشيعة حتى يصح إطلاق عنوان الصحيح عليه، بل فيه الصحيح والضعيف وإن كان الصحيح قد لا يعمل به، والضعيف قد يعتمد عليه، كما هو معلوم عند أهل العلم والتحقيق… وهذه هي نتيجة البحث في هذه الجهة.

(1) رجال النجاشي: 266.
(2) الفهرست للطوسي: 161.
(3) معالم العلماء: 154.
(4) أنظر: تنقيح المقال 1 / 286.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *