النظر فيما زعم معارضته لحديث الثقلين

النظر فيما زعم معارضته لحديث الثقلين:
سادساً: الأحاديث التي ذكرها عن البخاري ومسلم وأحمد وزعم كونها صريحة وصحيحة، لا تصلح للمعارضة لما يأتي:
1 ـ إن «بعض المسلمين» الذين يقولون بإمامة الأفراد المعيّنين، لا يرون هذه الأحاديث صحيحةً وصريحة، فلا يكونون ملزمين بقبولها حتى تتم المعارضة.
2 ـ إنّ الحديث المتفق عليه بين المسلمين جميعهم، لا يعارض بما ورد عن بعضهم، حتى لو كان صحيحاً وصريحاً.
3 ـ إنّ الأحاديث التي ذكرها «الدكتور» هي في الأغلب عن: عائشة وحفصة وعبداللّه بن عمر… وقول هؤلاء ـ لا سيّما في مثل هذا المقام ـ غير مسموع.
4 ـ إن كتابي البخاري ومسلم ـ وإن سمّيا بالصحيحين ـ يشتملان على أحاديث باطلة، كما لا يخفى على من راجع شروحهما، وقد تقدمت الإشارة إلى بعض تلك الاحاديث، بل «الدكتور» نفسه لا يستبعد أن يكون حديث الثقلين المخرج في (صحيح مسلم) موضوعاً!!. فكيف يستدلّ بأحاديث الكتابين، والحال هذه؟
5 ـ إنّ (مسند أحمد) قد أصرّ «الدكتور» على عدم التزام أحمد بصحّة ما فيه، بل قد وافق على ما نقله عن ابن حجر عن أحمد أنّه يتساهل في الفضائل!!… فكيف يستدلّ بروايات أحمد ولا سيّما في الفضائل؟
6 ـ إنّ بعض الأحاديث التي احتجّ بها من موضوعات بعض النّواصب، وقد اعترف بهذه الحقيقة بعض المحققين من أهل السنة من المتقدّمين والمعاصرين، كالدكتور أحمد محمد صبحي، الذي نقل «الدكتور» كلامه وتحامل عليه!!
7 ـ ولأجل أن نبرهن على سقوط الأحاديث التي أوردها، وعلى عدم إنصاف «الدكتور» في بحثه، ننظر في أسانيد عدّة منها، ونشير إلى مواضع الضّعف فيها باختصار.
والذي يهمّنا منها:
أ ـ ما دلّ على أنّ عليّاً عليه السلام لم يعيّن أحداً لخلافته، وهو روايتان نقلهما عن أحمد فقال: «وروى أحمد بسند صحيح عن الإمام علي رضي اللّه عنه أنه قال: لتخضبنَّ هذه من هذا… .
وفي رواية بسند آخر: أنّ الإمام قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لتخضبنّ هذه من هذه…».
نقلهما عن أحمد وأضاف: «وبالحاشية بيان الشيخ شاكر لصحّة الإسناد».
أقول:
لم يذكر سندي الحديثين، ونصّ على صحة الأوّل، وأشار إلى تصحيح الشيخ شاكر، ولم يوضّح هل الشيخ يصحّح كلا الحديثين أو الأوّل فقط؟ ولم يصرّح برأيه هو في سند الثاني منهما؟ ولا ندري هل تحقّق هو بنفسه صحّة ما صحّح أو قلَّد الشّيخ؟
لكنه تكلَّم في الكتاب مع الشيخ شاكر الذي صحح سند حديث الثقلين، وكأنّه أعلم منه وأفهم! (أنظر ص 22 ـ 23) كما تكلّم مع الشيخ الآخر ـ وهو الألباني ـ الذي صحّح حديث الثقلين وكأنّه أعلم منه وأفهم! (انظر ص 25 ـ 26).
إذن، لا يقصد «الدكتور» هنا من ذكر تصحيح الشيخ شاكر جعل المطلب على عهدة ذاك الشّيخ، فلماذا ذكر هذا؟
لعلّ السبب في ذلك: علمه بأن كلا الحديثين عن «عبداللّه بن سبع»، وهذا الرّجل لم يرو في الكتب الستّة عنه ولا رواية واحدة!! وأنّ في طريق كلا الخبرين هو «الأعمش»، وهذا الرجل من رواة حديث الثقلين، وقد طعن فيه «الدكتور» من قبل!!
ب ـ ما دلَّ على أنّ اللّه سبحانه أبى والمؤمنون إلاّ أبا بكر. قال «الدكتور»: «أخرج أحمد في مسنده هذا الحديث بسند صحيح كسند مسلم، وبسندين آخرين».
أقول:
وهنا لم يذكر شيئاً عن الشيخ شاكر، وسكت عن تصحيح السندين الآخرين بصراحة!!
وعندما نراجع مسند أحمد نرى السند الأوّل (ج 6 ص 7):
«ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة».
والسند الثاني (ج 6 ص 106):
«ثنا مؤمّل قال ثنا نافع يعني مولى ابن عمر، ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة».
والسند الثالث (ج 6 / 144):
«ثنا يزيد أنا ابراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة».
فهذه أسانيد هذا الحديث الذي جعل فضيلةً لأبي بكر ودليلا على إمامته، لكنّها تنتهي كلّها إلى عائشة، فهي تروي هذا في حقّ أبيها!! وهي صاحبة المواقف المشهورة من علي أمير المؤمنين!
ثم انظر إلى من يرويه عنها!
فالراوي عنها في السّندين الأوّل والثاني هو: «ابن أبي مليكة التيّمي» من عشيرة أبي بكر وهو من مناوئي علي، وكان قاضي عبداللّه بن الزبير في مكّة ومؤذنه.
والراوي عنها في السند الثالث هو «عروة بن الزبير» وهو من أشهر المنحرفين عن علي، ومن أكبر مشيّدي سلطان بني أميّة… .
والراوي عن «ابن أبي مليكة» في الأوّل هو «عبد الرحمن بن أبي بكر» وهو ابن أخيه… قال ابن معين: وقال النسائي: ليس بثقة، قال أحمد: منكر الحديث، وكذا نقل العقيلي عن البخاري، وقال ابن سعد: له أحاديث ضعيفة، وقال ابن عدي: لا يتابع في حديثه وقال ابن خراش: ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال البزار: ليّن الحديث، وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات(1).
والرّاوي عنه في الثاني بواسطة نافع هو «مؤمّل بن إسماعيل» وهو مولى آل الخطّاب! قال البخاري: منكر الحديث. وقال جماعة: كان كثير الغلط، ونصَّ غير واحد على أنه يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشدّ، فلو كانت هذه المناكير عن الضّعفاء لكنّا نجعل له عذراً(2).
والراوي عن «عروة» في الثالث هو «الزهري» وهو من أشهر المبغضين لعلي والمشيدين لحكومة بني أميّة… كما لا يخفى على من راجع أحواله.

(1) تهذيب التهذيب 6 / 132.
(2) تهذيب التهذيب 10 / 340.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *