موجز الكلام في مالك

موجز الكلام في مالك:
هذا، ويبقى الكلام على (مالك بن أنس) ولا بأس بنقل نقاط مذكورة في تراجمه في كتب القوم:
1 ـ كونه من الخوارج. قال أبو العباس المبرّد في بحث له حول الخوارج: «وكان عدّة من الفقهاء يُنسبون إليهم، منهم عكرمة مولى ابن عباس، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس. ويروي الزبيريّون: إن مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّاً وطلحة والزبير فيقول: واللّه ما اقتتلوا إلاّ على الثريد الأعفر»(1).
ويشهد بذلك تركه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام في (الموطأ) حتى أنّ هارون الرّشيد الذي حمل الناس على أخذ (الموطأ) تعجّب من ذلك(2). مع أنّه قد كذّب أناساً ثم أخرج عن بعضهم فيه، مثل هشام بن عروة(3).
2 ـ كونه مدلّساً. ذكروا ذلك عنه في غير موضع. وقال الخطيب البغدادي في أخبار بعض المدلّسين: «يقال: إن ما رواه مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عباس، كان يرويه عن عكرمة عن ابن عباس، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة، فأسقط اسمه من الحديث وأرسله. وهذا لا يجوز، وإن كان مالك يرى الإحتجاج بالمراسيل، لأنه قد علم أنّ الحديث عمّن ليس بحجة عنده»(4).
3 ـ إجتماعه بالأمراء وسكوته عن منكراتهم. قال عبداللّه بن أحمد: «سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء، فيتكلّم ابن أبي ذئب، يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي: ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل»(5).
4 ـ كان يتغنّى بالآلات. حتّى ذكر ذلك أبو الفرج الإصبهاني في كتابه(6).
5 ـ تكلّم الأئمة فيه. ولهذه الأمور وغيرها تكلّم فيه الأئمة في زمانه. قال الخطيب: «عابه جماعة من أهل العلم في زمانه»(7) ثم ذكر: ابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن إسحاق(8).
وقال ابن عبدالبر: «تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونه كرهت ذكره»(9) وتكلّم فيه إبراهيم بن سعد ـ وكان يدعو عليه ـ وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن أبي يحيى(10).
وثانياً:
لقد جاء في سيرة محمد بن إسحاق التي جمعها ابن هشام خطبة الرسول ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ في حجة الوداع، وممّا جاء في الخطبة قوله: «وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً أمراً بيّناً: كتاب اللّه وسنة نبيّه»(11).
أقول:
خطبة الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حجة الوداع، في سيرة ابن إسحاق التي جمعها ابن هشام، ليس لها سند حتى ننظر فيه، وإنما جاء في الكتاب المذكور: «خطبة الرسول في حجة الوداع: قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم ـ على حجّه… وخطب الناس خطبته التي بيّن فيها ما بيّن، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس! إسمعوا قولي…» هذا أوّلا.
وثانياً: إن محمد بن اسحاق من رواة حديث الثقلين مع التصريح بصحّته، قال ابن منظور في (لسان العرب) ما نصّه: «وقال الأزهري ـ رحمه اللّه ـ وفي حديث زيد بن ثابت قال قال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم ـ : إنّي تارك فيكم ثقلين خلفي، كتاب اللّه وعترتي، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض.
وقال: قال محمد بن إسحاق: هذا حديث صحيح، ورفعه عن زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري، وفي بعضها: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فجعل العترة أهل البيت»(12).
ثالثاً: ابن اسحاق أيضاً مقدوح عند جماعة من أعلام القوم، فقد رمي بالتدليس، وبالقدر، وبالتشيع، وقال غير واحد منهم مثل: سليمان التيمي، ويحيى القطّان، ووهب بن خالد، ومالك بن أنس، وغيرهم: «كذّاب».
وإن شئت التفصيل فراجع ما ذكره الحافظ ابن سيد الناس المتوفى 734 في مقدّمة سيرته (عيون الأثر).
ثالثاً:
جاء في (فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير) رواية عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه خطب في حجة الوداع فقال: «تركت فيكم شيئين لن تضلّوا بعدهما: كتاب اللّه وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض»(13).
وقد أورد «الدكتور» هذا الحديث من دون أن يشير إلى مصدره ـ وهو المستدرك ـ وينظر في سنده!
وهذا سند الحديث: «أخبرنا أبو بكر ابن إسحاق الفقيه، أنبأ محمد بن عيسى بن السكن الواسطي، ثنا داود بن عمرو الضبي، ثنا صالح بن موسى الطلحي، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة…»(14).
وفيه: صالح بن موسى الطلحي الكوفي. قال ابن حجر العسقلاني:
قال ابن معين: ليس بشيء.
وقال أيضاً: صالح وإسحاق ابنا موسى: ليسا بشيء ولا يكتب حديثهما.
وقال هاشم بن مرثد عن ابن معين: ليس بثقة.
وقال الجوزجاني: ضعيف الحديث على حسنه.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث جدّاً كثير المناكير عن الثقات; قلت: يكتب حديثه؟ قال: ليس يعجبني حديثه.
وقال البخاري: منكر الحديث عن سهيل بن أبي صالح.
وقال النسائي: لا يكتب حديثه، ضعيف.
وقال في موضع آخر: متروك الحديث.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد وهو عندي ممّن لا يتعمّد الكذب، وليس يشبه عليه، ويخطىء، وأكثر ما يرويه عن جدّه من الفضائل ما لا يتابعه عليه أحد.
وقال الترمذي: تكلّم فيه بعض أهل العلم.
وقال عبداللّه بن أحمد: سألت أبي عنه فقال: ما أدري، كأنه لم يرضه.
وقال العقيلي: لا يتابع على شيء من حديثه.
وقال ابن حبان: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنّها معمولة أو مقلوبة، لا يجوز الإحتجاج به.
وقال أبو نعيم: متروك، يروي المناكير»(15).

(1) الكامل 1 / 159.
(2) تنوير الحوالك 1 / 7.
(3) مقدمة فتح الباري 2 / 169.
(4) الكفاية في علم الرواية: 365.
(5) العلل ومعرفة الرجال 1 / 179.
(6) الأغاني 2 / 75. وانظر نهاية الارب 4 / 229.
(7) تاريخ بغداد 10 / 223.
(8) تاريخ بغداد 10 / 224.
(9) جامع بيان العلم 2 / 157.
(10) جامع بيان العلم 2 / 158.
(11) سيرة ابن هشام 4 / 603.
(12) لسان العرب 4 / 538.
(13) فيض القدير 3 / 240.
(14) المستدرك على الصحيحين 1 / 93.
(15) تهذيب التهذيب 4 / 354.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *