الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

(وكان ابنه موسى الكاظم عليه السلام يدعى العبد الصالح)
كما بتراجمه في كتب الفريقين، فراجع من كتب أهل السنة: صفة الصفوة 2 / 124، مرآة الجنان 1 / 394، تهذيب الكمال 29 / 44، تاريخ بغداد 13 / 27، تهذيب التهذيب 10 / 302، مطالب السئول 76.
(كان أعبد أهل وقته، يقوم الليل ويصوم النهار، سمّي الكاظم لأنّه…)
قال ابن تيميّة: «وأمّا من بعد جعفر، فموسى بن جعفر، قال فيه أبو حاتم الرازي: ثقة أمين صدوق من أئمة المسلمين. قلت: موسى ولد بالمدينة سنة بضع وعشرين ومائة، وأقدمه المهدي إلى بغداد، ثمّ ردّه إلى المدينة وأقام بها إلى أيام الرشيد، فقدم هارون منصرفاً من عمرته، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفّي في حبسه. قال ابن سعد: توفّي سنة ثلاث وثمانين ومائة. وليس له كثير رواية. روى عن أبيه جعفر. وروى عنه أخوه علي. وروى له الترمذي وابن ماجة» 2 / 124.
أقول:
هذا كلامه، فلم ينكر إلى هنا شيئاً ممّا ذكره العلاّمة واكتفى بنقل كلمة أبي حاتم . . . ولننقل كلمات أبي حاتم . . . وكلمات أُخرى، تشييداً لما ذكره العلاّمة، ثمّ نشير إلى ما في كلام ابن تيميّة:
قال ابن حجر: «عنه: أخواه علي ومحمّد، وأولاده: إبراهيم وحسين وإسماعيل وعلي الرضي وصالح بن يزيد ومحمّد بن صدقة العبري. قال أبو حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين. قال يحيى بن الحسين بن جعفر النسّابة: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده. وقال الخطيب: يقال انّه ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين ومائة . . . ومناقبه كثيرة . . .»(1).
وقال الخطيب: «كان موسى يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، روي أنّه دخل مسجد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)فسجد سجدةً في أول الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب من عندي فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. فجعل يردّدها حتى أصبح. وكان سخياً كريماً، وكان يسمع عن الرجل ما يؤذيه، فيبعث إليه بصرّة فيها ألف دينار»(2).
ونقل ابن خلّكان كلام الخطيب المذكور، ثمّ نقل عن المسعودي ما سنذكره.
وقال الذهبي: «موسى الكاظم، الإمام القدوة . . . ذكره أبو حاتم فقال: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين. قلت: له عند الترمذي وابن ماجة حديثان . . . له مشهد عظيم مشهور ببغداد، دفن معه فيه حفيده الجواد، ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس. وكانت وفاة موسى الكاظم في رجب سنة 183 . . .»(3).
وقال ابن الجوزي: «موسى بن جعفر، كان يدعى العبد الصالح، وكان حليماً كريماً، إذا بلغه عن رجل ما يؤذيه بعث إليه بمال»(4).
وقال القرماني: «هو الإمام الكبير الأوحد الحجّة، الساهر ليله قائماً القاطع نهاره صائماً، المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف بباب الحوائج، لأنّه ما خاب المتوسّل به في قضاء حاجته قط»(5).
وقال ابن حجر المكّي: «هو وارث أبيه علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند اللّه، وكان أعبد أهل زمانه، وأعلمهم وأسخاهم»(6).
وقال ابن طلحة: «هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن الكبير، المجتهد الجادّ في الإجتهاد، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه، دعي كاظماً كان يجازي المسيء بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يسمّى بالعبد الصالح، ويعرف بالعراق بباب الحوائج إلى اللّه، لنجح مطالب المتوسّلين إلى اللّه تعالى به، كراماته تحار منها العقول وتقضي بأنّ له عند اللّه تعالى قدم صدق لا تزل ولا تزول»(7).
هذه نتف من كلمات المخالفين، وأمّا مناقبه وفضائله في كتب الشيعة القائلين بإمامته فلا تعدّ ولا تحصى، تجدها مروية بالأسانيد المعتبرة في (الإرشاد) للشيخ المفيد، و(المناقب) لابن شهراشوب، و(إعلام الورى) للطبرسي، و(كشف الغمة) للاربلي، و(إثبات الهداة) للحرّ العاملي، و(بحار الأنوار) للمجلسي . . . كما ألّفت في أحواله وفضائله كتب خاصّة.
ولد بالأبواء، قرية من قرى المدينة المنوّرة، وكانت سنة ولادته (128) وقيل (127) وقيل (129).
وتوفّي سنة 183 ـ وقيل غير ذلك ـ في سجن هارون، وكان قد كتب إليه من السجن: «إنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء حتّى ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتّى نفنى جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء وهناك يخسر المبطلون»(8) ولم تكن وفاته حتف أنفه، وإنّما توفّي مسموماً.
وأمّا قول الرّجل: «وليس له كثير رواية، روى عن أبيه جعفر، وروى عنه أخوه علي. وروى له الترمذي وابن ماجة».
فأقول:
حسبه الرواية عن أبيه جعفر، فإنّ الصّيد كلّه في جوف الفرا. وأمّا الرواة عنه فلا يعدّون كثرةً; أمّا من أهل بيته، فأخوه علي بن جعفر وأولاده، وأمّا من غيرهم، فقد ذكر ابن حجر بعضهم مع أخويه وأولاده، وقال الخزرجي: «وعنه: ابنه علي الرضا وأخواه علي ومحمّد ابنا جعفر بن محمّد، وطائفة»(9).
وأمّا أصحابنا، فقد ذكروا في الكتب الرّجالية أسامي كثيرين من تلامذته، والرّواة عنه، يعدّون بالمئات، وعن طريقهم امتلأت كتبهم الفقهيّة وغيرها بالأخبار في الأحكام الشرعيّة والمعارف الدينية والعلوم الاسلامية . . . وأمّا الرّجل فقد حاول التقليل من أهميّة الإمام الكاظم والحطّ من شأنه وشأن الرواة عنه، حتى أنّه لم يذكر رواية ولده الإمام علي بن موسى الرّضا (عليه السلام)وأخذه عنه.
وأمّا عدم رواية المؤلّفين في الحديث من أهل السنّة عنه ـ عدا الترمذي وابن ماجة ـ فذاك من سوء حظّهم وعدم توفيقهم، لانحرافهم عن أهل البيت والعترة الطاهرة.
(قال ابن الجوزي ـ من الحنابلة ـ عن شقيق البلخي قال: خرجت حاجّاً…)
أقول: وابن الجوزي هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي الفقيه الحنبلي الحافظ الواعظ، قال ابن خلّكان: «كان علاّمة عصره وامام وقته»(10) وقال الذهبي: «الإمام العلاّمة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق»(11) له مؤلّفات كثيرة، توفّي سنة: 597. له ترجمة في الوافي بالوفيات 2 / 321، تذكرة الحفّاظ 4 / 131، النجوم الزاهرة 6 / 174 وغيرها.
رواه عن شقيق البلخي ـ قال أبو نعيم: «شقيق بن إبراهيم البلخي، أحد الزهّاد في المشرق»(12) وقال ابن حجر: «مناقب شقيق كثيرة جداً»(13) ـ في كتابه صفة الصفوة 2 / 125 ورواه غيره أيضاً، أُنظر: أخبار الدول: 112، جامع كرامات الأولياء 2 / 229، مطالب السئول: 84، نور الأبصار: 135، وغيرها.
لكنّ ابن تيميّة الذي لا يطيق سماع منقبة من مناقب أئمة العترة، وإن كان راويها من غير الشيعة يقول:
«وأمّا الحكاية المشهورة عن شقيق البلخي فكذب» ثمّ يعلّل هذا التكذيب المنبعث من الحقد والعناد بقوله: «فإنّ هذه الحكاية تخالف المعروف من حال موسى بن جعفر، وموسى كان مقيماً بالمدينة بعد موت أبيه جعفر، وجعفر مات سنة ثمان وأربعين، ولم يكن قد جاء إذ ذاك إلى العراق، حتى يكون بالقادسية . . .».
عجيب!! إنّه يتكلّم وكأنّه محيط بجميع أيام الإمام وحالاته، وعارف بزمانه (عليه السلام)وخصوصياته . . . أكثر من غيره . . . إنّ هذه الحكاية رواها شيعته الذين هم أعرف الناس به وبما يتعلّق به، مضافاً إلى الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الذي هو عراقي بغدادي، وله كتاب (المنتظم في تاريخ الأُمم) من الكتب التاريخيّة المعتمدة، ومضافاً إلى غيره من الأعلام.
لكنّه البغض والحقد والعناد، فلو كانت هذه القضيّة لزيد أو لعمرو ممّن يتولاّهم، الرّجل لتكلّم في اطرائها وتقريظ صاحبها صحائف عديدة… .
هذه حال هذا الرجل في هذه الحكاية، وعلى هذه فقس ما سواها.
(وعلى يده تاب بشر الحافي، لأنّه عليه السلام اجتاز على داره في بغداد…)
أقول: قال الخطيب البغدادي بترجمة بشر: «بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد اللّه، أبو نصر، المعروف بالحافي، مروزي سكن بغداد، وهو ابن عم علي بن خشرم، وكان ممّن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرّد بوفور العقل وأنواع الفضل، وحسن الطريقة واستقامة المذهب وعزوف النفس وإسقاط الفضول . . . وكان كثير الحديث . . .» وأطال بذكر مناقبه وفضائله جدّاً(14). وعنه ابن الجوزي وذكر أنّ له كتاباً في فضائله(15).
هذا، وقد كذّب ابن تيميّة هذه الحكاية كسابقتها، وعلّل تكذيبه للعلاّمة هذه المرّة بقوله المضحك المبكي: «وأمّا قوله: تاب على يده بشر الحافي، فمن أكاذيب من لا يعرف حاله ولا حال بشر، فإنّ موسى بن جعفر لما قدم به الرشيد إلى العراق حبسه، فلم يكن ممّن يجتاز على دار بشر وأمثاله من العامّة».
فإذا كان العلاّمة لا يعرف حال الإمام فمن العارف؟ إنّه ليس لهذا الرّجل أن يدّعي المعرفة بأحوال أئمّة أهل البيت بقدر ما يعرفه أفراد العوامّ من شيعتهم . . . وأصدق شاهد على جهله بأحوالهم نفس هذا الكلام ـ إن سلّمنا صدوره عن الجهل لا العناد للأئمّة (عليهم السلام) ـ لأنّ الإمام (عليه السلام) قد أطلق سراحه من السجن بأمر من هارون وكان في بغداد مدّةً من الزمن، ثمّ عاد هارون فسجنه حتّى لحق بآبائه مسموماً، وهذا ممّا اتّفق عليه المؤرخّون، وفيه كرامة من كرامات الإمام (عليه السلام)، فقد قال ابن خلّكان بترجمته: «قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي في كتاب مروج الذهب في أخبار هارون الرشيد:
إنّ عبد اللّه بن مالك الخزاعي كان على دار هارون الرشيد وشرطته، فقال: أتاني رسول الرشيد وقتاً ما جاءني فيه قط، فاستنزعني من موضعي، ومنعني من تغيير ثيابي، فراعني بذلك. فلمّا صرت إلى الدار سبقني الخادم فعرّف الرشيد خبري، فأذن لي في الدخول عليه، فوجدته قاعداً في فراشه، فسلّمت عليه، فسكت ساعة، فطار عقلي، وتضاعف الجزع عليَّ ثمّ قال: يا عبد اللّه أتدري لم طلبتك في هذا الوقت؟ قلت: لا واللّه يا أمير المؤمنين.
قال: إنّي رأيت الساعة في منامي كأنّ حبشيّاً قد أتاني ومعه حربة فقال: إن خلّيت عن موسى بن جعفر الساعة وإلاّ نحرتك في هذه الساعة بهذه الحربة، فاذهب فخلّ عنه.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين أطلق موسى بن جعفر ـ ثلاثاً ـ؟
قال: نعم، إمض الساعة حتّى تطلق موسى بن جعفر، وأعطه ثلاثين ألف درهم وقل له: إن أحببت المقام قبلنا فلك عندي ما تحبّ، وإن أحببت المضي إلى المدينة فالإذن في ذلك لك.
قال: فمضيت إلى الحبس . . . وخلّيت سبيله وقلت له: لقد رأيت من أمرك عجباً. قال: فإنّي أخبرك، بينما أنا نائم إذ أتاني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: يا موسى، حبست مظلوماً فقل هذه الكلمات، فإنّك لا تبيت هذه الليلة في الحبس. فقلت: بأبي وأُمّي ما قال؟ قال: قل: يا سامع كلّ صوت ويا سابق كلّ فوت ويا كاسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت، أسألك بأسمائك الحسني وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطّلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليماً ذا أناة لا يقوى على أناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً ولا يحصى عدداً، فرّج عنّي.
فكان ما ترى»(16).
ولقد كانت هذه الفترة فرصة لاستفادة المستفيدين منه، وهداية المسترشدين على يده، ومنهم بشر الحافي، الذي تاب حتّى عُدّ من خيرة الصّالحين، وإذ سمعت هذا فاحكم على هذا المعترض على العلاّمة بما شئت.

(1) تهذيب التهذيب 10 / 302.
(2) تاريخ بغداد 13 / 27.
(3) سير أعلام النبلاء 6 / 270.
(4) صفوة الصفوة 2 / 103.
(5) أخبار الدول: 112.
(6) الصواعق المحرقة: 112.
(7) مطالب السئول: 76.
(8) تهذيب الكمال 29 / 50، البداية والنهاية 10 / 183، سير أعلام النبلاء 6 / 273.
(9) خلاصة تهذيب الكمال: 334.
(10) وفيات الأعيان 4 / 393.
(11) تذكرة الحفاظ 2 / 1342.
(12) حلية الأولياء 8 / 58.
(13) لسان الميزان 3 / 153.
(14) تاريخ بغداد 7 / 67 ـ 80.
(15) المنتظم 11 / 122 ـ 125.
(16) وفيات الأعيان 4 / 394.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *