التناقض

التناقض
وكم من مورد ناقض الفضل فيه نفسه… نكتفي من ذلك بذِكر موردين:
* وقال العلاّمة طاب ثراه في مباحث أفضلية أمير المؤمنين عليه السّلام المستلزمة لإمامته: «المطلب الثاني: العِلم. والناس كلّهم ـ بلا خلاف ـ عيال عليه في المعارف الحقيقية والعلوم اليقينية والأحكام الشرعية والقضايا النقلية… وروى الترمذي في صحيحه: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها(1)…»((2)).
فقال الفضل في جوابه: «ما ذكره من علم أمير المؤمنين، فلا شكّ أنّه من علماء الأُمّة، والناس محتاجون إليه فيه، وكيف لا؟! وهو وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف، فلا نزاع لأحد فيه.
وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي، فصحيح(3)…»(4).
أقول:
قال الفضل في حقّ أمير المؤمنين عليه السّلام بأنّه «من علماء الأُمّة».. فإن أراد أنّه «من علماء الأُمّة» بمعنى أنّ في الأُمّة من يساويه في العلم، فهذا لا يجتمع مع كونه «وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف»، فيحصل التناقض.
وإن أراد أنّه «من علماء الأُمّة» لكن لا يساويه غيره فيه، لكونه «وصيّ النبي…» فقد اعترف بأعلمية الإمام عليه السّلام بالنسبة إلى غيره، وهذا هو المطلوب، ولكنّه لا يعترف به مكابرة وعناداً للحقّ.
* واستدلّ العلاّمة رحمه اللّه برواية أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير المشهورين، في قضيّة إقدام عمر على إحراق بيت أمير المؤمنين عليه السّلام(5)(6).
فأجاب الفضل قائلا: «من أسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر، وهو إحراق عمر بيت فاطمة.
وما ذكر أنّ الطبري ذكره في التاريخ، فالطبري من الروافض، مشهور بالتشيّع، مع إنّ علماء بغداد هجروه لغلوّه في الرفض والتعصّب، وهجروا كتبه ورواياته وأخباره، وكلّ من نقل هذا الخبر فلا يشكّ أنّه رافضي متعصّب، يريد إبداء القدح والطعن على الأصحاب،أنّ العاقل المؤمن الخبير بأخبار السلف ظاهر عليه أنّ هذا الخبر كذب صراح وافتراء بيّن…»(7).
فهنا يطعن في الطبري صاحب التاريخ وفي كتابه، ويسقطه عن الاعتبار.
لكنّه في بعض الموارد الأُخرى يعتمد عليه ويحتجّ بروايته… .
فمثلا: عندما يريد الدفاع عن عمر في قضيّة تعطيله حدّ المغيرة بن شعبة في الزنا، يقول بعد نقل الخبر: «هذا رواية الثقات، ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة»(8)(9).
ومثلا: عندما يريد الدفاع عن عثمان في تعطيله حدّ عبيداللّه بن عمر في قتل الهرمزان، يأتي بخبر فيقول:
«هذا ما كان من أمر الهرمزان على ما ذكره أرباب صحاح التواريخ، ونقله الطبري وغيره(10)»(11).
فاعتماده على الطبري بعد كلامه المذكور في جرحه تناقض.
بل نقل في مورد آخر عنه وعن ابن الجوزي مع النصّ على كونهما «من أرباب صحّة الخبر»! وهذا لفظه:
«خروج أبي ذرّ ـ على ما ذكره أرباب الصحاح، وذكره الطبري(12)وابن الجوزي من أرباب صحّة الخبر ـ أنّه ذهب إلى الشام، وكان مذهب أبي ذرّ أنّ قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)(13) في أولاد مروان.. وهذا كلامه في الدفاع عن معاوية، حين قال العلاّمة: «إنّه نزل في حقّه وحقّ أنسابه (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ)(14) في أولاد مروان.. وهذا كلامه في الدفاع عن معاوية، حين قال العلاّمة: «إنّه نزل في حقّه وحقّ أنسابه (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ)»(15) قال:
«هذه الآية اختلف في شأن نزولها، قال بعضهم: نزلت في رؤيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، وأنّه رأى في الرؤيا أولاد مروان ينزون على منبره; ولم يذكر أحد من علماء السُنّة أنّه نزل في(16)معاوية(17)».
* ومن تناقضاته: إنّه منع من لعن معاوية وذكر مساوئه، وقال بأنّ ذكر مطاعنه محض الغيبة الضارّة وقد قال رسول اللّه: لا تذكروا موتاكم إلاّ بالخير. وهو يقرّ بصحة حديث «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية» ويعترف بأنّ أصحاب معاوية قتلوا عمّاراً، وهم الفئة الباغية(18).
* ومن تناقضاته قوله: «مذهب عامة العلماء أنّه يجب تعظيم الصحابة كلّهم والكفّ عن القدح فيهم، لأنّ اللّه تعالى عظّمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه»(19) ثمّ قوله عن سورة الجمعة: «فأنزل اللّه الآية في شأن من يذهب ويترك رسول اللّه قائماً، وفي كلّ طائفة يكون عوامّ وخواصّ، ولا يبعد هذا عن الإنسان»(20).
أقول:
فهل يرى وجوب تعظيم هؤلاء أيضاً؟!

(1) اللفظ الموجود فعلا في سنن الترمذي هو: «أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها» وجاء في ذيله: «وفي الباب عن ابن عبّاس».. ومن المعروف أنّ حديث ابن عبّاس هو: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» كما في مصادر الحديث، وقد ذكر ابن حجر هذا الحديث نقلا عن الترمذي وغيره.
انظر: سنن الترمذي 5 / 596 ح 3723، الصواعق المحرقة: 189.
(2) نهج الحقّ: 235 ـ 236، وانظر: دلائل الصدق 2 / 515.
(3) نقل غير واحد من علماء الشيعة والسُنّة حديث: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» من صحيح الترمذي وصرّحوا وأقرّوا بوجوده فيه وبصحّته، لكنّ هذا الحديث غير موجود في نسخ صحيح الترمذي المتداولة اليوم، فهو من الأحاديث الصحيحة التي أسقطتها يد الخيانة والعداء لأهل البيت عليهم السّلام من الصحاح والمسانيد والسنن!
(4) دلائل الصدق 2 / 515.
(5) تاريخ الطبري 2 / 233.
(6) نهج الحقّ: 271، وانظر: دلائل الصدق 3 / 78.
(7) دلائل الصدق 3 / 79.
(8) ولا يخفى أنّ الخبر الذي أورده غير موجود في تاريخ الطبري، وإنّما ذكرت القصّة باختلاف; راجع: تاريخ الطبري 2 / 492 ـ 494.
(9) دلائل الصدق 3 / 149.
(10) ولا يخفى أنّ الخبر الذي أورده غير موجود في تاريخ الطبري.
(11) دلائل الصدق 3 / 310.
(12) انظر: تاريخ الطبري 2 / 615.
(13) سورة التوبة 9 : 34.
(14) سورة الإسراء 17 : 60.
(15) نهج الحقّ: 312، وانظر: دلائل الصدق 3 / 390.
(16) دلائل الصدق 3/390 .
(17) وهذا منه مغالطة، فالعلاّمة لم يذكر نزولها في معاوية خصوصاً، بل مراده أنّها نزلت في بني أُميّة، ومعاوية منهم.
(18) دلائل الصدق 3 / 353.
(19) دلائل الصدق 3 / 398.
(20) دلائل الصدق 3 / 423 ـ 424.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *