التعاطف مع بني أميّة و مناوئي أمير المؤمنين

التعاطف مع بني أميّة و مناوئي أمير المؤمنين
والفضل وإن كان يتظاهر في كتابه بحبّ أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، ويعترف ببعض مناقبهم وفضائلهم، لكنّه يحاول الدفاع عن خصومهم وتبرئة مناوئيهم عن المثالب، وتبرير أو تهوين ما صدر عنهم تجاه النبيّ وأهل بيته الأطهار، ولا بأس بإيراد طرف من نصوص عباراته في ذلك:
1 ـ عائشة:
فمثلا نجده يقول عن خروج عائشة ضدّ أمير المؤمنين عليه السّلام، تقود الجيوش لحربه في البصرة، ما هذا لفظه:
«إنّها خرجت محتسبةً، لأنّ قتلة عثمان قتلوا الإمام وهتكوا حرمة الإسلام، فخرجت تريد الاحتساب وأخطأت في هذا الخروج مع الاجتهاد، فيكون الحقّ مع عليٍّ، وهي لم تكن عاصيةً، للاجتهاد… بل ذكر أرباب الأخبار أنّ بعد الفراغ من وقعة الجمل، دخل عليٌّ على عائشة، فقالت عائشة: ما كان بيني وبينك إلاّ ما يكون بين المرأة وأحمائها! فقال أمير المؤمنين: واللّه ما كان إلاّ هذا. وهذا يدلّ على نفي العداوة…»(1).
فاقرأ واحكم في دين هذا الرجل وعقله بما يقتضيه العلم بالقرآن والأحكام الشرعية ومجريات الأُمور.
2 ـ أُمراء بني أُميّة:
ويقول عن الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبداللّه بن سعد ابن أبي سرح، وأمثالهم، ما نصّه:
«معظم ما يطعنون على عثمان هو تولية بني أُميّة على الممالك، وذلك لأنّه رأى أُمراء بني أُميّة أُولي رشد ونجابة وعلم بالسياسات… وكان بنو أُميّة على هذه النعوت»(2).
3 ـ معاوية:
قال العلاّمة تحت عنوان «مطاعن معاوية»: «وقد روى الجمهور منها أشياء كثيرة، وهي أكثر من أن تحصى، منها: ما روى الحميدي، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: ويح عمّار! تقتله الفئة الباغية بصفّين، يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار(3); فقتله معاوية; ولمّا سمع معاوية اعتذر فقال: قتله من جاء به. فقال ابن عبّاس: فقد قتل رسول اللّه حمزة لأنّه جاء به إلى الكفّار!»(4).
فقال الفضل: «قول أهل السُنّة والجماعة في معاوية: إنّه رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، وصحبته ثابتة، لا ينكره الموافق والمخالف، وكان كاتب وحي رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم.
وبعد أن توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم… ولاّه عمر في إمارة الشام.. ثم ولاّه عثمان الشام وأضافه ما فتحه من بلاد الروم، وكان على ولايتها مدّة خلافة عثمان بن عفّان. ثمّ لمّا تولّى الخلافة أمير المؤمنين عليٍّ عزله من إمارة الشام… .
ومذهب أهل السُنّة والجماعة: إنّ الإمام الحقّ بعد عثمان كان عليّ بن أبي طالب، ولا نزاع لأحد من أهل السُنّة في هذا، وإن كلّ من خرج على عليٍّ كانوا بغاةً، على الباطل، ولكن كانوا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، ينبغي أن يُحفظ اللسان عنهم، ويُكَفّ عن ذِكرهم وما جرى بين الصحابة، لأنّه يورث الشحناء ويثير البغضاء، ولا فائدة في ذِكره.
وأمّا ما ذكره من مطاعن معاوية فلا اهتمام لنا أصلا بالذبّ عنه، فإنّه لم يكن من الخلفاء الراشدين حتّى يكون الذبّ عنه موجباً لإقامة سُنّة الخلفاء وذبّ الطعن عن حريمهم، ليقتدوا بهم الناس، ولا يشكّوا في كونهم الأئمّة، لأنّ معظم الإسلام منوط بآرائهم، فإنّهم كانوا خلفاء النبوّة ووارثي العلم والولاية.
وأمّا معاوية فإنّه كان من ملوك الإسلام، والملوك في أعمالهم لا يخلون عن المطاعن، ولكن كفّ اللسان عنهم أَولى، لأنّ ذِكر مطاعنه لا تتعلّق به فائدة مّا أصلا… وقد قال رسول اللّه: لا تذكروا موتاكم إلاّ بالخير…»(5).
أقول:
في هذا الكلام، ينصّ الفضل على عدم اهتمامهم بالذبّ عن معاوية، لكنّ أبناء تيميّة وحجر وكثير والعربي وأمثالهم يهتمّون الاهتمام البالغ بالذبّ عنه، ولو سلّمنا صدق الفضل ـ ولو في حقّ نفسه في الأقلّ ـ في عدم الاهتمام بالذبّ عن معاوية والجواب عن مطاعنه، فقد وجدنا في كلامه المذكور:
1 ـ يصف معاوية بـ«كاتب وحي رسول اللّه»، وهو ما يزعمه أولياؤه له، وهو ممّا لا أساس له من الصحّة، ولا نصيب له من الحقيقة… .
2 ـ يدعو إلى الكفّ وحفظ اللسان عنه، بل يرى أولوية ذِكره بالخير، ولذا قال ـ في جواب رواية العلاّمة «إنّ معاوية قتل أربعين ألفاً من المهاجرين والأنصار وأولادهم..»(6)، وروايته دخول أروى بنت الحارث بن عبدالمطّلب على معاوية وقولها له: «لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك…»(7) ـ : «إنّ هذه الحكايات والأخبار التي لم تصحّ بها رواية، ولم يقم بصحّتها برهان، ترك ذِكرها أَولى وأليق، سيّما أنّها متضمّنة لنشر الفواحش، وعظام هذه الجماعة رميمة، ولم يبق لهم آثار…»(8).
3 ـ ويقول بأنّه رجل من الصحابة وصحبته ثابتة، مشيراً إلى ما كرّره في كتابه من وجوب تعظيم الصحابة كلّهم! ومن ذلك قوله: «مذهب عامّة العلماء أنّه يجب تعظيم الصحابة كلّهم، والكفّ عن القدح فيهم، لأنّ اللّه عظّمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه… والرسول قد أحبّهم وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة… ثمّ إن من تأمّل سيرتهم، ووقف على مآثرهم وجدّهم في نصرة الدين، وبذلهم أموالهم وأنفسهم في نصرة اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، لم يتخالجه شكٌّ في عظم شأنهم، وبراءتهم عمّا نسب إليهم المبطلون من المطاعن، ومنعه ذلك عن الطعن فيهم، ورأى ذلك مجانباً للإيمان»(9).
أقول:
لكنّ المنصف إذا تأمّل في هذه الكلمات ومناقشاته في استدلالات العلاّمة، حصل له الشكّ والتردّد في صدق الفضل في مقاله بأن لا اهتمام له بالذبّ عن معاوية، لا سيّما بالنظر إلى قوله بالنسبة إلى الأخبار والحكايات التي استدلّ بها العلاّمة: «لم تصحّ بها رواية، ولم يقم بصحّتها برهان»… .
بل قوله في قضيّة سبّ معاوية لأمير المؤمنين عليه السّلام: «أمّا سبّ أمير المؤمنين ـ نعوذ باللّه من هذا ـ فلم يثبت عند أرباب الثقة، وبالغ العلماء في إنكار وقوعه، حتّى إنّ المغاربة وضعوا كتباً ورسائل، وبالغوا فيه كمال المبالغة…»(10) يدلّ بوضوح على كونه في مقام الدفاع عن معاوية بكلّ اهتمام! وذلك لوجود أخبار سبّ معاوية لأمير المؤمنين عليه السّلام، وحثّ الناس على ذلك، في كثير من الكتب المعتمدة عند القوم، حتّى في الصحاح!… .
أخرج مسلم في صحيحه: «أمر معاوية سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟! فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم يقول له ـ وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليٌّ: يا رسول اللّه! خلّفتني مع النساء والصبيان؟! فقال له رسول اللّه ـ : أما ترضى… وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطينّ الراية… ولمّا نزلت: هذه الآية (تَعَالَوْاْ…)(11)…»(12).
فهذا الحديث في كتاب التزموا بصحّة رواياته، ودلالته واضحة.
هذا، ولفظاعة صنع معاوية، ولأنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «من سبّ عليّاً فقد سبّني»(13).. ومن سبّ رسول اللّه فهو كافر بالإجماع، ولأنّ ثبوت كفر معاوية بهذا وغيره يؤدّي إلى الطعن في من نصبه وفي من سبقه، تحيّر القوم واضطربوا!!… .
أمّا تكذيب الخبر ـ كما فعل الفضل ـ فمردود بأنّه في الصحيح… .
وأمّا الالتزام به لصحّته فيترتّب عليه ما ذكرناه، وهو هادم لأساس مذهبهم، فكأنّهم لم يجدوا بُدّاً من التلاعب في متن الحديث:
فرواه بعضهم بلفظ: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل على سعد، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد…»(14).
ثمّ جاء ابن كثير فأسقط جملة: «فنال منه، فغضب سعد…»(15).
ورواه أحمد في المناقب باللفظ التالي: «ذُكر عليٌّ عند رجل وعنده سعد بن أبي وقّاص، فقال له سعد: أتذكر عليّاً؟!…»(16).
ورواه النسائي في الخصائص بلفظ آخر، هو: «عن سعد، قال: كنت جالساً فتنقّصوا عليّ بن أبي طالب، فقلت: لقد سمعت رسول اللّه…»(17).
4 ـ عبداللّه بن الزبير:
ومن ذا الذي يشكّ في عداء عبداللّه بن الزبير لأمير المؤمنين عليه السلام؟! ومع ذلك يعدّه الفضل في الخلفاء الراشدين بزعمه! فيقول فيّ معنى حديث الاثني عشر خليفة: «ثمّ ما ذكر من عدد اثني عشر خليفة، فقد اختلف العلماء في معناه، فقال بعضهم: هم الخلفاء بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، وكان اثنا عشر منهم ولاة الأمر إلى ثلاثمائة سنة، وبعدها وقعت الفتن والحوادث، فيكون المعنى أنّ أمر الدين عزيز في مدّة خلافة اثني عشر، كلّهم من قريش.
وقال بعضهم: إنّ عدد الصلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر، وهم: الخلفاء الراشدون، وهم خمسة، وعبداللّه بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وخمسة أُخر من خلفاء بني العبّاس. فيكون هذا إشارة إلى الصلحاء من الخلفاء القرشية»(18).
وإذا كان من «الخلفاء الراشدين» فما هو الأصل في أعمالهم بنظره؟!
قال: «الأصل أن تحمل أعمال الخلفاء الراشدين على الصواب»(19)!
5 ـ أنس بن مالك:
وقال الفضل ـ وهو في الحقيقة يقصد الدفاع عن أنس بن مالك ـ :
«وأمّا ما ذكر أنّ أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك، فاعتذر بالنسيان، فدعا عليه; فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض…»(20).
وأقول:
ذكر هذا الخبر: ابن السائب الكلبي في جمهرة النسب، والبلاذري في أنساب الأشراف، وابن قتيبة في المعارف، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن حجر في الصواعق، وغيرهم من أعلام الحديث والتاريخ(21).

(1) دلائل الصدق 3 / 614 ـ 615.
(2) دلائل الصدق 3 / 244.
(3) الجمع بين الصحيحين 2 / 461 ح 1794، وانظر: صحيح البخاري 1 / 194 ح 107.
(4) نهج الحقّ: 306، وانظر: دلائل الصدق 3 / 351.
(5) دلائل الصدق 3 / 351 ـ 353.
(6) دلائل الصدق 3 / 393.
(7) دلائل الصدق 3 / 393 ـ 394.
(8) دلائل الصدق 3 / 395.
(9) دلائل الصدق 3 / 398 ـ 400.
(10) دلائل الصدق 3 / 385.
(11) سورة آل عمران 3 : 61.
(12) صحيح مسلم 7 / 120.
(13) أخرجه الحاكم وصحّحه، وأقرّه الذهبي في التلخيص; انظر: المستدرك على الصحيحين 3 / 130 ح 4615.
(14) سنن ابن ماجة 1 / 45 ح 121، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 496 ح 15.
(15) البداية والنهاية 8 / 63.
(16) فضائل الصحابة 2 / 797 ح 1093.
(17) تهذيب خصائص الإمام عليّ عليه السّلام: 24 ح 10.
(18) دلائل الصدق 2 / 486.
(19) دلائل الصدق 3 / 262.
(20) دلائل الصدق 2 / 540.
(21) انظر: جمهرة النسب 2 / 395، أنساب الأشراف 2 / 386، المعارف: 320، شرح نهج البلاغة 19 / 218 وورد الخبر كذلك في 4 / 74 و ج 19 / 217، تاريخ دمشق 9 / 375 ـ 376، الصواعق المحرقة: 198.
وراجع: فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 1 / 663 ح 900، حلية الأولياء عليّ عليه السّلام ـ للخوارزمي ـ : 378 ح 396، مجمع الزوائد 9 / 106.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *